فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {واتل} على نفسك {وما أوحي إليك من كتاب} كتبه {ربك} في الأزل {لا مبدل لكلماته} إلى الأبد مع الدين {يدعون ربهم} وهم القلب والسر والروح والخفى في غداة الأزل إلى عشي الأبد فإنهم مجبولون على طاعة الله كما أن النفس جبلت على طاعة الهوى وطلب الدنيا. {ولا تعد} عينا همتك {عنهم} فإنك إن لم تراقب أحوالهم تصرف فيهم النفس الأمارة {ولا تطع من أغفلنا} يعني: النفس نارًا هي نار القهر والغضب {أحاط بهم سرادقها} يعني سرادق العزة {بماء كالمهل} كل ما هو لأهل اللطف أسباب لسهولة العيش وفراغ البال فإنه سبحانه جعل لأهل القهر سببًا لصعوبة الأمر وشدة التعلق حتى شوت الوجوه أي أحرقت مواد التفاتهم إلى عالم الأرواح، وفسدت استعداداتهم فبقوا في أسفل سافلين الطبيعة {يحلون فيها من أساور} والتحلية بالأساور إشارة إلى ظهور آثار الملكات عليهم وقوله: {من ذهب} رمز إلى أنها ملكات مستحسنة معتدلة راسخة {يلبسون ثيابًا} فيه أن أنوار العبادات تلوح عليهم وتشتمل بهم. وقوله: {خضرًا} إشارة إلى أنها أنوار غير قاهرة و{من سندس} إشارة إلى ما لطف من الرياضات {واستبرق} إلى ما شق منها {متكئين فيها على الأرائك} لأنهم فرغوا بها وكلفوا وقضوا ما عليهم من المجاهدات وبقي ما لهم من المشاهدات {مثلًا رجلين} هما النفس الكافرة والقلب المؤمن.
{جعلنا لأحدهما} وهو النفس {جنتين} هما الهوى والدنيا {من أعناب} الشهوات {وحففناهما بنخل} حب الرياسة {وجعلنا بينهما زرعًا} من التمتعات البهيمية {وفجرنا خلالهما نهرًا} من القوى البشرية والحواس. {وكان له ثمر} من أنواع الشهوات {وهو يحاوره} يجاذب النفس والقلب {أنا أكثر منك مالًا} أي ميلًا {وأعز نفرًا} من أوصاف المذمومات {وهو ظالم لنفسه} في الاستمتاع بجنة الدنيا على وفق الهوى {لأجدن خيرًا منها} لأنه غر بالله وكرمه فلا جرم يقال له ما غرك بربك الكريم، هلا قلت {ما شاء الله} أي أتصرف في جنة الدنيا كما شاء الله {على ما أنفق فيها} من العمر وحسن الاستعداد {كما أنزلناه} هو الروح العلوي الذي نزل إلى أرض الجسد {فاختلط} الروح بالأخلاق الذميمة {فأصبح هشيمًا} تلاشت منه نداوة الأخلاق الروحانية {تذروه} رياح الأهوية المختلفة فيكون حاله خلاف روح أدركته العناية الأزلية فبعث إليه دهقان من أهل الكمال فرباه بماء العلم والعمل حتى يصير شجرة طيبة. {والباقيات الصالحات} أي ما فني منك وبقي بربك والله أعلم بالصواب. اهـ.

.تفسير الآيات (47- 49):

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}.

.مناسبة الآيات لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر المبدأ ونبه على زواله، وختم بأن المقصود منه الاختبار للرفعة بالثواب أو الضعة بالعقاب، وكان الخزي والصغار، أعظم شيء ترهبه النفوس الكبار، لاسيما إذا عظم الجمع واشتد الأمر، فكيف إذا انضم إليه الفقر فيكف إذا صاحبهما الحبس وكان يوم الحشر يومًا يجمع فيه الخلائق، فهو بالحقيقة المشهود، وتظهر فيه العظمة فهو وحده المرهوب، عقب ذكر الجزاء ذكره، لأنه أعظم يوم يظهر فيه، فقال تعالى عاطفًا على {واضرب}: {ويوم} أي واذكر لهم يوم {نسير الجبال} عن وجه الأرض بعواصف القدرة كما يسير نبات الأرض- بعد أن صار هشميًا- بالرياح {فترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب} [النحل: 88] {وترى الأرض} بكمالها {بارزة} لا غار فيها ولا صدع ولا جبل ولا نبت ولا شجر ولا ظل {و} الحال أنا قد {حشرناهم} أي الخلائق بعظمتنا قبل التسيير بتلك الصيحة، قهرًا إلى الموقف الذي ينكشف فيه المخبآت، وتظهر الفضائح والمغيبات، ويقع الحساب فيه على النقير والقطمير، والنافذ فيه بصير، فينظرون ويسمعون زلازل الجبال عند زوالها، وقعاقع الأبنية والأشجار في هدها وتباين أوصالها، وفنائها بعد عظيم مرآها واضمحلالها {فلم نغادر} أي نترك بما لنا من العظمة {منهم} أي الأولين والآخرين {أحدًا} لأنه لا ذهول ولا عجز.
ولما ذكر سبحانه حشرهم، وكان من المعلوم أنه للعرض، ذكر كيفية ذلك العرض، فقال بانيًا الفعل للمفعول عل طريقة كلام القادرين، ولأن المخوف العرض لا كونه من معين: {وعرضوا على ربك} أي المحسن إليك برفع أوليائك وخفض أعدائك {صفًا} لاتساع والمسايقة إلى داره، لعرض أذل شيء وأصغره، وأطوعه وأحقره، يقال لهم تنبيهًا على مقام العظمة: {لقد جئتمونا} أحياء سويين حفاة عراة غرلًا {كما خلقناكم} بتلك العظمة {أول مرة} منعزلين من كل شيء كنتم تجمعونه وتفاخرون به منقادين مذعنين فتقولون {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} [يس: 52] فيقال لكم: {بل زعمتم} أي ادعيتم جهلًا بعظمتنا {أن} أي أنا {لن نجعل لكم} على ما لنا من العظمة {موعدًا} أي مكانًا ووقتًا نجمعكم فيه هذا الجمع فننجز ما وعدناكم به على ألسنة الرسل {ووضع} بأيسر أمر بعد العرض المستعقب للجمع بأدنى إشارة {الكتاب} المضبوط فيه دقائق الأعمال وجلائلها على وجه بيِّن لا يخفى على قارىء ولا غيره شيء منه {فترى المجرمين} لتقر عينك منهم بشماتة لا خير بعدها {مشفقين مما فيه} من قبائح أعمالهم، وسيىء أفعالهم وأقوالهم أي خائفين دائمًا خوفًا عظيمًا من عقاب الحق والفضيحة عند الخلق {ويقولون} أي يجددون ويكررون قولهم: {ياويلتنا} كناية عن أنه لا نديم لهم إذ ذاك إلا الهلاك {مال هذا الكتاب} أي أي شيء له حال كونه على غير حال الكتب في الدنيا، ورسم لام الجر وحده إشارة إلى أنهم صاروا من قوة الرعب وشدة الكرب يقفون على بعض الكتب، وفسروا حال الكتاب التي أفظعتهم وسألوا عنها بقولهم: {لا يغادر} أي يترك أي يقع منه غدر، أي عدم الوفاء وهو من غادر الشيء: تركه كأن كلًا منهما يريد غدر الآخر، أي عدم الوفاء به، من الغدير- لقطعة من الماء يتركها السيل كأنه لم يوف لهما بأخذ ما معه، وكذا الغديرة لناقة تركها الراعي {صغيرة} أي من أعمالنا.
ولما هالهم إثبات جميع الصغائر، بدؤوا بها، وصرحوا بالكبائر- وإن كان إثبات الصغائر يفهمها- تأكيدًا لأن المقام للتهويل وتعظيم التفجع، وإشارة إلى أن الذي جرهم إليها هو الصغائر- كما قال الفضيل بن عياض- رضى الله عنهم ـ- فقالوا: {ولا كبيرة إلا أحصاها} ولما كان الإحصاء قد لا يستلزم اطلاع صاحب الكتاب وجزاءه عليه، نفى ذلك بقوله تعالى: {ووجدوا ما عملوا حاضرًا} كتابة وجزاء من غير أن يظلمهم سبحانه أو يظلم من عادوهم فيه {ولا يظلم ربك} الذي رباك بخلق القرآن {أحدًا} منهم ولا من غيرهم في كتاب ولا عقاب ولا ثواب، بل يجازى الأعداء بما يستحقون، تعذيبًا لهم وتنعيمًا لأوليائه الذين عادوهم فيه للعدل بينهم؛ روى الإمام أحمد في المسند عن جابر بن عبد الله- رضى الله عنهما- أنه سافر إلى عبد الله بن أنيس- رضى الله عنهم- مسيرة شهر فاستأذن عليه قال: فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته، قلت: حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت قبل أن أسمعه، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «يحشر الله عز وجل الناس- أو قال: العباد- حفاة عراة بهما قلت: وما بهما؟ قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند أحد من أهل النار حق حتى أقصه منه حتى اللطمة، قال: قلنا: كيف وإنما نأتي الله حفاة عراة بهما؟ قال: بالحسنات والسيئات». اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{تسير الجبال} على بناء الفعل للمفعول ورفع الجبال: ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو. الآخرون على بناء الفعل للفاعل ونصب الجبال. ما أشهدناهم يزيد. الآخرون {ما أشهدتهم} {وما كنت} على الخطاب روى ابن وردان عن يزيد. الباقون على التكلم {ويوم نقول} بالنون: حمزة الباقون على الغيبة {قبلًا} بضمتين: عاصم وحمزة والكسائي. الباقون بكسر القاف وفتح الباء. {لمهلكهم} بفتح الميم وكسر اللام: حفص {لمهلكهم} بفتحهما، يحيى وحموالمفضل. الباقون بضم الميم وفتح اللام.

.الوقوف:

{بارزة} لا لأن التقدير وقد حشرناهم قبل ذلك {أحدًا} o ج للآية مع العطف {صفًا} ط للعدول والحذف أي يقال لهم لقد جئتمونا {أول مرة} ز لأن {بل} قد يبتدأ به مع أن الكلام متحد {موعدًا} o {أحصاها} ج لاستئناف الواو بعد تمام الاستفهام مع احتمال الحال بإضمار قد {حاضرًا} o ط {أحدًا} o {إلا إبليس} ط {أمر ربه} ط {عدوًا} ط {بدلًا} o أنفسهم ص {عضدًا} o {موبقًا} o {مصرفًا} o {مثل} ط {جدلًا} o {قبلًا} o {ومنذرين} ج لاحتمال ما بعده الحال والاستئناف {هزوًا} o {يداه} ط {وقرًا}، ط لاختلاف الجملتين مع ابتداء الشرط {أبدًا} o {الرحمة} ط {العذاب} ط {موئلًا} o {موعدًا}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)}.
اعلم أنه تعالى لما بين خساسة الدنيا وشرف القيامة أردفه بأحوال القيامة فقال: {وَيَوْمَ نُسَيّرُ الجبال} والمقصود منه الرد على المشركين الذي افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة الأموال والأعوان واختلفوا في الناصب لقوله: {وَيَوْمَ نُسَيّرُ الجبال} على وجوه: أحدها: أنه يكون التقدير واذكر لهم: {يَوْمٍ نُسَيّرُ الجبال} عطفًا على قوله: {واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا} [الكهف: 45].
الثاني: أنه يكون التقدير: {وَيَوْمَ نُسَيّرُ الجبال} حصل كذا وكذا يقال لهم: {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} لأن القول مضمر في هذا الموضع فكان المعنى أنه يقال لهم: هذا في هذا الموضع.
الثالث: أن يكون التقدير {خَيْرٌ أَمَلًا} في {يَوْمٍ نُسَيّرُ الجبال} والأول أظهر.
إذا عرفت هذا فنقول: إنه ذكر في الآية من أحوال القيامة أنواعًا.
النوع الأول: قوله: {وَيَوْمَ نُسَيّرُ الجبال} وفيه بحثان:
البحث الأول:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير على فعل ما لم يسم فاعله الجبال بالرفع بإسناد تسير إليه اعتبارًا بقوله تعالى: {وَإِذَا الجبال سُيّرَتْ} [التكوير: 3] والباقون نسير باسناد فعل التسيير إلى نفسه تعالى و{الجبال} بالنصب لكونه مفعول نسير، والمعنى نحن نفعل بها ذلك اعتبارًا بقوله: {وحشرناهم فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} والمعنى واحد لأنها إذا سيرت فمسيرها ليس إلا الله سبحانه.
ونقل صاحب الكشاف قراءة أخرى وهي تسير الجبال بإسناد تسير إلى الجبال.
البحث الثاني:
قوله: {وَيَوْمَ نُسَيّرُ الجبال} ليس في لفظ الآية ما يدل على أنها إلى أين تسير، فيحتمل أن يقال: إنه تعالى يسيرها إلى الموضع الذي يريده ولم يبين ذلك الموضع لخلقه والحق أن المراد أنه تعالى يسيرها إلى العدم لقوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لاَّ ترى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه: 105-107] ولقوله: {وَبُسَّتِ الجبال بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا} [الواقعة: 5- 6] والنوع الثاني: من أحوال القيامة قوله تعالى: {وَتَرَى الأرض بَارِزَةً} وفي تفسيره وجوه: أحدها: أنه لم يبق على وجهها شيء من العمارات، ولا شيء من الجبال، ولا شيء من الأشجار، فبقيت بارزة ظاهرة ليس عليها ما يسترها، وهو المراد من قوله: {لاَّ ترى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا}.
وثانيها: أن المراد من كونها بارزة أنها أبرزت ما في بطنها وقذفت الموتى المقبورين فيها فهي بارزة الجوف والبطن فحذف ذكر الجوف، ودليله قوله تعالى: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق: 4] وقوله: {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2] وقوله: {وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا}.
وثالثها: أن وجوه الأرض كانت مستورة بالجبال والبحار، فلما أفنى الله تعالى الجبال والبحار فقد برزت وجوه تلك البقاع بعد أن كانت مستورة.